الثلاثاء، 9 أبريل 2013

''ساندويتش المعكرونة ''
:::::::::::::::::::::::::::::
حدث معي هذا الموقف و أنا في أيامي الأولى مع الدراسة ، لما التحقت بالمدرسة الإبتدائية عام 1993 ، كنت طفلا حيويا جدا و متشوق لولوج عالم الدراسة و كنت قبل ذلك أقوم ببروفات أتخيل فيها نفسي و أنا أدرس و أكتب بعض الشخابيط على الأوراق في جو من المتعة و اللهفة للتعلم ، حدث و دخلت المدرسة و اكتشفت المعلمة و الصف و زملاء جدد و لحظات رائعة و كأنني في حلم جميل ، بعد أيام من الدراسة لاحظت أن زملائي يحضرون معهم ساندويتشات من مختلف الأنواع ، جبن و قشطة و لحم و غيرها مما لذ و طاب ، فانتابتني الغيرة و قررت أن افعل مثلهم و ذهبت عند والدتي و طالبتها بأن تحضِّر لي ساندويتشا آخذه معي لأنني أجوع مثلي مثل بقية الأطفال ، إبتسمت أمي و قالت لي حاضر يا ولدي و كم فرحت لهذا ، كيف لا و أنا سأتلذذ بأكلي أمام التلاميذ ... ، نمت تلك الليلة و أنا أحلم بالمفاجئة التي ستحضرها أمي لي ، قمت الصباح كالعادة غسلت وجهي و سألت أمي ماذا عن الساندويتش ؟ فأرتني نصف رغيف من الخبز و فيه شيء ما ، لم أتفحصه من شدة الفرح و وضعته بحقيبتي و انطلقت فرحا إلى المدرسة و انا أغني كالعادة لكن هذه المرة ليس ككل المرات فأنا أحمل ساندويتش ، دخلت للقسم و دخلت المعلمة و انطلقت في الدرس و أنا عقلي كله بحقيبتي و أراقب الوقت بلهفة شديدة حتى يدق الجرس و أخرج مفاجئتي الجميلة ، مرت الساعتين و كأنها قرنين من الزمان ، ثم دق الجـــــــــــــــرس ، رائـــــــــــــــــع حان الوقت لأظهر للعالم أنني كذلك أملك ساندويتش ، كنت أجلس في الطاولة الأمامية عند الباب و المعلمة تقف أمامي ، فما لبثتْ أن أعلنت لنا الخروج للساحة حتى فتحتُ حقيبتي أمامها و أخرجت كيسا أسودا به رغيف خبز و المعلمة تراقبني ، كان رغيف الخبز به معكرونة بصلصة حمراء من الطماطم و رائحة الثوم تنبعث منه في مشهد جعل المعلمة تنظر لي بنظرة إشمئزاز و قالت لي : اخخخخخخخخخخ ماهذا القرف يا مجيد ، أنا إندهشت و زادت المعلمة ذلك بأن أطلقت العنان لكهكهة جعلت القسم و التلاميذ ينفجرون من الضحك عليّْ و يرمونني ينظرات إحتقار و إستهزاء أصابتني كالسهم و في تلك اللحظة تمنيت لو أن الأرض انشقت و بلعتني عوض أن أتحمل ذلك الموقف المحرج ، حينها أرجعت ساندويتش المعكرونة إلى حقيبتي و الصلصة الحمراء تتقاطر و كان لونها يشبه وجنتاي المحمرتان من الخجل ، خرجت للساحة و انعزلت في ركن لوحدي و أنا ابكي بحرقة شديدة ، المعلمة جرحتني كثيرا بذلك التصرف و أهانت برائتي و داست طفولتي و تغاضت عن فقري و حاجتي ، لما عدت للمنزل فتحت الحقيبة و أنا أصرخ : أين انتي يا أمي ، و رميت الساندويتش في حجرها قائلا ، لماذا يا امي لمــــــــــــــــــــــــــاذا ، لما لا نملك جبنا او قشطة أو مربى كغيرنا من الناس ، لماذا أخجلتني مع العالم لماذا ؟؟؟؟ و ارتميت باكيا أندب حظي التعيس ، حظنتني الوالدة و هي تبكي ، و تقول : عذرا يا بني فنحن فقراء و هذا كل ما كان في وسعي أن أقدمه لك ، لكن ياولدي لا تخجل بفقرك فأنت من سيدرس و يكبر و يعوضنا عما فاتنا ، لا تيأس يا بني ، ركز بدراستك و برهن للمعلمة أنك قد تكون فقيرا لكنك أكثرهم ذكائا و موهبة ، جففت دموعي حينها و قررت أن أبذل قصارى جهدي لأكون الأول بالصف ، درست و اجتهدت و بعد الإمتحان إندهشت المعلمة لعلاماتي الرائعة و كنت الأول في صفي و بالمدرسة بإمتياز و كرمني المدير شخصيا في حفل بهيج ، و مازاد المناسبة جمالا أن أمي حظرت لي طبقا تقليديا يسمى البغرير"" تمتع به المعلمون و أنا أفتخر بين التلاميذ بمرتبتي الاولى و بتقدير المعلمة التي أهانتني قبل مدة بسبب فقري ، صحيح أنا فقير لكن العبرة بما أقدم بين أقراني ، تلك الحادثة لن أنساها ماحييت لانها كانت مفصلية في حياتي و جعلتني أبرهن للعالم أن الفقر ليس عيبا بل العيب في الخنوع و الكسل و الخمول ، علمتني تلك الحادثة أن الكنز الحقيقي بالعقل لا بالجيب ، فشكرا لكي يا معلمتي على تلك الكهكهة و شكرا لكي يا أمي على ذلك الدرس و الموعظة و سامحك الله على سانديوتش المعكرونة :) 
~ من تجاعيد الحياة لعبد المجيد سجال ~

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق