الأربعاء، 24 يوليو 2013

قرية العرجون : بقلم / عبد المجيد سجال 
يحكى أنه : 

كانت هناك قرية تدعى قرية العرجون ، تعيش بها بعض العوائل ذات الأصل الواحد و اللسان الواحد و المصير الواحد و المعتقد الواحد ، توارثت بيوتها أبا عن جد منذ الأزل ، كل عائلة كانت تمتهن نشاطا معينا ، إما تجارة و إما فلاحة و إما صيدا و إما نسيجا و إما صناعة للحلي ، بينها عوائل غنية جدا و بينها عوائل فقيرة و أخرى متوسطة ، أحد تلك العوائل عائلة أبو ياسين الذي كان يملك حقل زيتون ورثه عن أجداده منذ القدم و كان يسترزق منه و من زيوته ، كما أنه كان يملك عين ماء يقال أنها مباركة و تشفي السقيم و العليل و العقيم ، و كان أبو ياسين شيخا طاعنا في السن و لم يبخل يوما على أهل قريته مما وهبه ربه من خيرات ، فللفقير حقه و للغني هديته و للمريض دواءه ، لهذا كان يحظى بإحترام الجميع و له مكانة خاصة حتى في القرى البعيدة .

سرعان ما انتشر خبر القرية في كل مكان و عن خيراتها و تجارتها و زيتونها و نخيلها و مروجها و ثرواتها و عن مائها الشافي ، فسبقتها شهرتها إلى كل حدب و صوب ، هذا ما حرك أطماع الغزاة و اللصوص و القراصنة ، و حركوا عصاباتهم الخبيثة الطامعة و قبلتهم هذه المرة " قرية العرجون " حاملين معهم مختلف انواع الأسلحة ، و لأن أهل القرية تعودوا على السلم و الآمان ، فما كانوا أهلا للحرب و رد الوغى ، و لا ندا لمن تجبر و طغى ، باغتهم اللصوص بغارة ليلا و استباحو قريتهم الهادئة الساكنة ، وقتلوا من قتلوا و هجّروا من هجّروا و نهبوا ما نهبوا ، كان زعيم اللصوص ذو الوجه الشاحب سكيرا عربيدا و قائدا خبيثا ، جعل أهل القرية خدما عنده و أستغلهم في الزراعة و الأشغال الشاقة مقابل حياتهم .

إلا الشيخ أبو ياسين رفض الخنوع للعصابة الآثمة منذ البداية و قاومهم هو و أبنائه و أحفاده الذين كان الزيتون و زيوته و ماء العين المباركة قد بثت في أجسادهم قوة كبيرة و شدة في البأس و متانة في العظم ، لكنه في الأخير أُخذ غدرا و طُعن برمح في ظهره ، وكانت الوسيلة الوحيدة ليتمكنوا من عائلته و خيراتها ، وعاثوا فيها فسادا و قطعوا أشجار الزيتون و نحتوا قطع الأفيون ، و بنو بيوتهم هنالك و أهتدوا للعين المباركة و حاصروها و استقر بها ذو الوجع الشاحب و بنى منزله بقربها ، مع مرور الشهور و السنوات الأولى ، إهتم ذو الوجه الشاحب أكثر بمنزل الراحل أبو ياسين نظرا لخيراته الكبيرة المتعددة ، كما أنه إكتشف ذهبا وفيرا في الصخور التي بنيت عليها منازل جيرانه ، و كم كانت الغنائم كبيرة ، زيتون طازج و ماء عذب طاهر مقدس و ذهب في الصخور مكدس و عز للمستقبل مؤسس .

كان ذو الوجه الشاحب له صديق و في نفس الوقت هو إبن خالته و الذي كان قد زار يوما تلك القرية عندما كان مريضا بالطاعون و شرب من مائها المقدس و شفي من مرضه ، و الذي لطالما حدث إبن خالته عن تلك الأرض و عن حلمه بأن يسكنها يوما ، تذكر ذو الوجه الشاحب حلم ابن خالته و أرسل له يعده بأن يمكنه من تلك الأرض و يجعله خليفة فيها بعد أن يعود إلى أرضه الأصلية ، و بالفعل تحقق الوعد المشؤوم و لبى ابن الخالة العزيز النداء و جمع متاعه و حج مع أهله للقرية و بالضبط إلى منزل العين المقدسة ، وصل و استقر بها و يالها من فرحة ، أخيرا سيترك التصعلك بين المدن و القرى و يستقر بأهله في مكان لطالما حلم به ،
في حين سيهتم ذو الوجه الشاحب بالمنازل الأخرى التي تقبع فوق صخور الذهب .

هاهو الصعلوك يشرد عائلة ابو ياسين و يستقر مكانها و منهم من رفض المغادرة و استقر في كوخ قريب و منهم من فضل أن يلجأ إلى جيرانه بعيدا عن بطش الصعلوك ، باقي العوائل إستطاعت أن تتخلص من عصابات ذو الوجه الشاحب بعد ان استنزف ما لديها من خيرات ، أما عوائل الذهب فأتفقت معه على الخروج مقابل نصيب معلوم من الذهب شهريا و وعد بالتخلي عن عائلة جارهم الراحل أبو ياسين ، و هذا ما حدث تخلصت كل العوائل من العصابات الجاثمة إلا عائلة أبو ياسين ظلت مشتتة بينما الصعلوك قد إستقر مع أقاربه و أهله هنالك و خلف ذرية في العين المقدسة ، و أستغل زيتونها و أرضها في بناء المزيد من البيوت على حساب الأسرة المغلوب على أمرها و التي لم يبق لها إلا زيتونتين و تلة صغيرة موحشة ، و منع عنهم الخيول و السلاح و حتى العصي أو الكلاب ليحرسوا أنفسهم بها من الوحوش .

مرت الشهور و زاد الصعلوك في جبروته و طغيانه ، حيث يعتدي على أحفاد أبو ياسين يوميا و يبطش بهم ، بينما جيرانهم غارقين في النعيم و في السلم الذليل و العسل المسموم ، يرون جيرانهم في كرب و بلاء و قهر دون جلاء و لا ينبسون ببنت شفة ، رغم أن الصعلوك مجرد جبان يخاف من ظله و يحتمي بإبن الخالة ذو الوجه الشاحب ، و رغم أن أحفاد أبو ياسين قادرين على رد الضيم و طرد هذا الصعلوك الرخو بسهولة ، فكل ما يحتاجونه عِصي و سيوف و رماح و نبال ، فالساعد لازال قويا و القلب لازال سويا و الروح ترخص أمام رد الكرامة ، إلا أن تجار الذهب يخافون على تجارتهم من الزوال و على قصورهم من الهوان ، و يتبجحون بصفاقة و نذالة بإرسال بعض الطعام و الكساء لأحفاد أبو ياسين القابعين في الأسر و المخيمات ، و البعض يتفق مع الصعلوك لزيارتهم حتى يظهر للناس أنه يساعدهم و أنه حريص على أمرهم ، و البعض الآخر لا حول له و لا قوة ، و البعض الآخر كان شجاعا و هرب بعض العصي و المقاليع للمخيمات فهاجمه الجار قبل العدو و حاول أن يقطع رزقه و أن يحرق محل تجارته و حتى أن يفرق بينه و بين أهله .

بين المصالح الضيقة و بين وصاية ذو الوجه الشاحب و بين نذالة تجار الذهب و بين خساسة الصعلوك و بين دنائة المنافقين و بين خوف الصامتين ، يضيع أحفاد أبو ياسين و تضيع أشجار الزيتون و تضيع العين المقدسة ، و تضيع الكرامة في العسل المذلول .

لكن هل يعلم الصعلوك أن أحفاد أبو ياسين لن يستسلموا ؟ و هل يعلم هو و إبن خالته ذو الوجه الشاحب أن في كل بيت و غرفة يولد أبو ياسين و يكبر ليعوض ما فات و يسترجع الكرامة و الأرض ؟ هل يعلمون أن الذهب سيزول و لن يبق إلا السيف المسلول ؟ هل يعلمون أهل قرية العرجون أبدا لا يُسلمون و لو سكتوا قليلا إلا أن الدم أقوى من الزيزفون ؟ هل يعلمون أننا مارون و قادمون و لو كره الكارهون ؟
هل يعلمون أننا للعبة الموت محترفون و أنهم لجرح صغير يتألمون و لا حتى يكابرون ؟

ستتحرر أرض الزيتون و قرية العرجون و سنشرب جميعا من عينها المقدسة و هم صاغرون .

~ عبد المجيد سجال ~ تجاعيد الحياة ~

هناك تعليق واحد:

  1. إييييييه عجبتني حقا ... إن شاء الله قادمون ... اللهم ارزقنا شرف تحرير قرية الزيتون :)

    ردحذف