الاثنين، 10 ديسمبر 2012


~ ثمن اللامبالاة ~

صهيب طفل في السادسة من العمر ، طفل حيوي و شديد الإنتباه لتصرفات من حوله ، يحب والده عماد لدرجة الجنون ، فهو يقلده في كل شيء ، في مشيته و في كلامه و في طريقة جلوسه و قراءة الجريدة ، يظل صهيب يراقب والده دوما فهو يعتبره مثله الأعلى أو بطله المفضل في الحياة ، عماد لا يخرج إلى التبضع أو إلى الشارع دون رفقة طفله و صديقه صهيب ، في يوم من الأيام طلبت والدة صهيب من أبيه أن يقتني لهم بعض الخضار و الفواكه للبيت ، حمل عماد القفة و نادى صهيب كالعادة ، ذهبا إلى السوق ، عماد حامل قفة و صهيب حامل قفة صغيرة مخصصة للأطفال ، أشتريا ما لذ و طاب من خضر و فواكه كل في قفته ، و عادا أدراجهما ، لا بأس من تناول موزة في الطريق تنشط جسدهما في هدا الصباح الجميل ، أكمل عماد موزته و رماها على الرصيف دون أن يرميها في صندوق القمامة ، صهيب يراقب والده ويسجل ما يفعله والده البطل و يخزن ذلك في ذاكرة الإقتداء .

مرت الأيام ، صهيب خرج من المدرسة كالعادة ، فتح حقيبته و أخرج موزة كانت نصيبه من الوجبة المدرسية ، تنوالها و جاء وقت رمي القشرة ، تذكر صهيب والده عماد و رماها بنفس الطريق على الرصيف المحاذي للمدرسة ، و أكمل طريقه للمنزل .

عماد له والدته تسكن في حي شعبي قريب ، قررت ذلك اليوم أن تزور إبنها و زوجته و إبنه فقد و تكون مفاجئة جميلة لهم ، الطريق إلى منزل عماد يمر بنفس المدرسة التي يدرس بها صهيب ، الحاجة فاطمة ضعيفة البصر و هي تمر بذلك الرصيف لم تعرف أن قشرة الموز التي رماها حفيدها في إنتظارها ، داست عليها و فقدت التوازن ، مما تسبب في سقوطها و ارتطام رأسها بعمود كهربائي فولاذي فاقدة وعيها ، حملها المارة إلى المشفى و أخبر أحدهم إبنها عماد .

هرع عماد إلى المشفى و معه زوجته و ولده صهيب ، الحاجة فاطمة في غرفة العمليات بعد نزيف دماغي داخلي ، بعد ساعات من الإنتظار ـ يخرج الجراح و يخبر عماد أن أمه الحمد لله على قيد الحياة لكن الخبر السيء هو أنها فقدت البصر ، حيث تضرر سريرها البصري نتيجة للصدمة القوية ، أفاقت الحاجّة من المخدر و حولها إبنها و حفيدها و أمه لكنها هذه المرة معدمة البصر ، عاقها عماد و سألها عن حيثيات الحادث ، قالت يا بني رحت ضحية قشرة موز على الرصيف المحاذي للمدرسة ، عماد يصرخ ويحه قليل الأدب الذي رمى قشرة الموز في غير مكانها ، صهيب يقاطع أباه يركن إلى الزاوية و يبكي بهستيريا ، تسأله والدته ما خطبك يا بني ، يقول أنا السبب أنا السبب في ما حصل لجدتي ، عماد لإبنه : كيف ذلك يا بني ، صهيب : أنا من رمى القشرة ، عماد يصرخ في وجه إبنه : يا عديم الأخلاق هل أنا علمتك هذا ؟ ، صهيب : نعم يا أبتي أنت ، هل تتذكر رحلتنا إلى السوق و كيف رميتَ القشرة على الرصيف بنفس الطريقة ؟
حينها ينهار عماد : ياااااااااااااااااا ويحي ماذا فعلت بأمي و يا ويحي ماذا أكون قد فعلت بأحد آخر نتيجة فعلتي ، ندم عماد حيث لا ينفع الندم ، لكنه قرر أن يعيد حساباته في كل تصرف ، فصهيب مرآة أبيه ,

لا تستهينوا بأفعالكم و تصرفاتكم أمام الأطفال ، فهم يقلدون كل شيء فأنتم أبطالهم و قدوتهم و معلميهم و هم مرآتكم . تصرف بسيط قد تكون عقائبه جد وخيمة ، فلا تكن كعماد و لا مبالاته .

~عبد المجيد سجال ~ تجاعيد الحياة ~

هناك تعليق واحد:

  1. قصة رائعة ومعبرة ... وهي تعكس عصب تربية الأطفال ،ألا وهي التقليد ...فالطفل الصغير لا يعي ما حوله ولا يدرك مخاطر الأمور ،فهو يقلّد تصرفات الأكبر منه سنا والأقرب منه ....وعلى الآباء الانتباه لهذه النقطة وأخذها بعين الاعتبار ،حتى يكبر الطفل بطريقة سوية ...شكرا لك جزيلا على هذا الإنتقاء الرائع

    ردحذف